الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا، وَشُرُوطُ السَّارِقِ تَكْلِيفٌ، وَاخْتِيَارٌ، وَالْتِزَامٌ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِ السَّرِقَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْفَارِقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَحِينَئِذٍ (لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ وَحَرْبِيٌّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَأَعْجَمِيٌّ أَمَرَ بِسَرِقَةٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهَا أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ لِعُذْرِهِ، وَقُطِعَ السَّكْرَانُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْحُكْمِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ يُقْطَعُ وَلَيْسَ مُرَادًا، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِعُجْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ فِيمَا لَوْ نَقَبَ ثُمَّ أَمَرَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَأَخْرَجَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى الْآمِرِ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلَهُ.
المتن: وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَفِي مُعَاهَدٍ أَقْوَالٌ: أَحْسَنُهَا إنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا قَطْعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَ) مَالِ (ذِمِّيٍّ) أَمَّا قَطْعُ الْمُسْلِمِ بِمَالِ الْمُسْلِمِ فَبِإِجْمَاعٍ. وَأَمَّا قَطْعُهُ بِمَالِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ بِذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ. وَأَمَّا قَطْعُ الذِّمِّيِّ بِمَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَلِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، سَوَاءٌ أَرَضِيَ بِحُكْمِنَا أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِمَالِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤْمِنِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لَا يُقْطَعُ بِمَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَفِي) سَرِقَةِ (مُعَاهَدٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَمُسْتَأْمَنٍ إذَا سَرَقَ وَلَوْ لِمُعَاهَدٍ (أَقْوَالٌ: أَحْسَنُهَا) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَفِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ (إنْ شُرِطَ) عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ (قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ) لِالْتِزَامِهِ (وَإِلَّا فَلَا) يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا قَطْعَ) مُطْلَقًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَقَالَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، وَالثَّالِثُ يُقْطَعُ مُطْلَقًا كَالذِّمِّيِّ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُرْشِدِ وَصَحَّحَهُ مُجَلِّي، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ بِمَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، فَإِنْ سَرَقَ مَالَ مُعَاهَدٍ فَلَا يُقْطَعُ قَطْعًا. وَأَمَّا الْمَالُ الْمَسْرُوقُ فَيَجِبُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ جَزْمًا إنْ بَقِيَ، وَبَدَلُهُ إنْ تَلِفَ.
المتن: وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ، وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ.
الشَّرْحُ: (وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ) كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ سَرِقَةَ نِصَابٍ فَيَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي وَيُحَلَّفُ فَيَجِبُ الْقَطْعُ (فِي الْأَصَحِّ) وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، وَالْقَطْعُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ، وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ بِهَا لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أُكْرِهُ أَمَتِي عَلَى الزِّنَا، وَحَلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُثْبِتُ الْمَهْرَ دُونَ حَدِّ الزِّنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْيَمِينِ مِنْ الدَّعَاوَى، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِنَصِّ الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَإِقْرَارِ السَّارِقِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ. أَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ قَطْعًا (أَوْ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ) مُؤَاخَذَةٌ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِقْرَارَ وَلَهُ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ قَبْلَهَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ فِي الْمَالِ: بَلْ يُوقَفُ عَلَى حُضُورِ الْمَالِكِ وَطَلَبِهِ كَمَا سَيَأْتِي. ثَانِيهُمَا أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ كَالشَّهَادَةِ فَيُبَيِّنُ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ وَالْحِرْزِ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي رَقِيقِهِ كَمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ) عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ، وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْقَطْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مَا يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَطْعُهُ. أَمَّا الْغُرْمُ فَلَا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ، وَيُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّالِثُ يُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. ثَانِيهِمَا: لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ رَجَعَ. قَالَ الْقَاضِي: سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ ا هـ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزِّنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ، وَهُوَ إنْ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْبَيِّنَةِ لَا يَسْقُطُ، أَوْ إلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ رُجُوعِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُقِرَّيْنِ بِالسَّرِقَةِ عَنْ إقْرَارِهِ دُونَ الْآخَرِ فَقَطْ.
المتن:
وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ أَقَرَّ) ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ دَعْوَى (بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِمُقْتَضِيهَا كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا (فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُقِرِّ (بِالرُّجُوعِ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَقْبَلُ فِيهِ رُجُوعَهُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ فِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّكَ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَفِي الزِّنَا: لَعَلَّك فَاخَذْتَ أَوْ لَمَسْتَ، وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْته مُسْكِرٌ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قَالَ لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ}. وَقَالَ لِمَاعِزٍ: {لَعَلَّكَ قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَا) يُصَرِّحُ بِذَلِكَ فَلَا (يَقُولُ) لَهُ (ارْجِعْ) عَنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَجْحِدْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ، وَالثَّانِي لَا يُعَرِّضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يُصَرِّحُ لَهُ بِهِ، وَالثَّالِثُ، يُعَرِّضُ لَهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا. تَنْبِيهَاتٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِقْرَارِ عَمَّا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَبِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ، عَمَّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالْإِنْكَارِ وَيَحْمِلَهُ عَلَيْهِ: أَيْ يُلَقِّنَهُ إيَّاهُ قَطْعًا، وَبِقَوْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهُ لَا يُعَرِّضُ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا. وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ نَعَمْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السِّتْرِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَوَّلُ ا هـ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ، مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فِي الْحَدِّ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ تَشْفِيعَهُ فِيهِ. أَمَّا قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَأَجَازَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ شَرٍّ وَأَذًى لِلنَّاسِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْفَعْ، وَسَتَأْتِي الشَّفَاعَةُ فِي التَّعْزِيرِ فِي بَابِهِ.
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ) شَخْصٌ (بِلَا) سَبْقِ (دَعْوَى) عَلَيْهِ (أَنَّهُ سَرَقَ مَالِ زَيْدٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ) وَمُطَالَبَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَضَرَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَبَاحَ لَهُ الْمَالَ أَوْ يُقِرُّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ، وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ لِلشُّبْهَةِ، وَالثَّانِي يُقْطَعُ فِي الْحَالِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ حُضُورُهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَقْدُمَ الْغَائِبُ أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ: وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَصَحَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سُرِقَ مَالُ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ. قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ سَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَظَرْنَا بُلُوغَهُ أَوْ إفَاقَتَهُ أَوْ رُشْدَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا سَرَقَهُ كَالْغَائِبِ. فَرْعَانِ: لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ لِغَائِبٍ بِمَالٍ لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَاكِمُ بِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَالِ الْغَائِبِ إلَّا إنْ مَاتَ الْغَائِبُ عَنْ الْمَالِ وَخَلَّفَهُ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُقِرَّ بِهِ وَيَحْبِسَهُ.
المتن: أَوْ أَنَّهُ أَكْرَهَ أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى زِنًا حُدَّ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ دُونَ النِّصَابِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا إنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ أَوْ نِصَابٍ قُطِعَ كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ (أَوْ) أَقَرَّ (أَنَّهُ أَكْرَهَ أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى زِنًا حُدَّ فِي الْحَالِ) وَلَمْ يُنْتَظَرْ حُضُورُ الْغَائِبِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ، وَلَوْ حَضَرَ وَقَالَ: كُنْت أَبَحْتُهَا لَهُ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ، لِأَنَّ إبَاحَةَ الْبُضْعِ مُلْغَاةٌ. وَالثَّانِي يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ، إنْ جَعَلْنَاهُ لَهُ فَلَا حَدَّ، وَإِلَّا حُدَّ. تَنْبِيهٌ: ذِكْرُ الْإِكْرَاهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: زَنَيْت بِأَمَةِ فُلَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ إكْرَاهًا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ الْمَهْرُ، لَكِنَّ هَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحَدِّ.
المتن: وَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ، وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ
الشَّرْحُ: (وَتَثْبُتُ) السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ غَيْرِ الزِّنَا فَإِنَّهُ خُصَّ بِمَزِيدِ الْعَدَدِ (فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) بِسَرِقَةٍ أَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِهَا وَحَلَفَ مَعَهُ (ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ) عَلَى السَّارِقِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ عَلَى غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ثُبُوتِ الْمَالِ مَا إذَا شَهِدُوا بَعْدَ دَعْوَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ، فَلَوْ شَهِدُوا حِسْبَةً لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُنْصَبَّةٌ إلَى الْمَالِ، وَشَهَادَةَ الْحِسْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ (وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ) بِسَرِقَةِ مَالٍ.
المتن: شُرُوطُ السَّرِقَةِ.
الشَّرْحُ: (شُرُوطُ السَّرِقَةِ) الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِبَيَانِ السَّارِقِ بِالْإِشَارَةِ إلَى عَيْنِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَبِذِكْرِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ إنْ كَانَ غَائِبًا. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ عَلَى غَائِبٍ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا إنَّمَا سُمِعَتْ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَالِ، وَلِهَذَا لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ وَيَدَّعِيَ بِمَالِهِ كَمَا مَرَّ، وَبِبَيَانِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالْمَسْرُوقِ، وَكَوْنُ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ بِتَعْيِينِهِ أَوْ وَصْفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ، إذْ قَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِسَرِقَةٍ سَرِقَةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ إطْلَاقِهِ مَوَاضِعَ. إحْدَاهَا: أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقَطْعِ كَوْنُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَهُ الشَّاهِدُ، بَلْ يَكْفِي تَعْيِينُ الْمَسْرُوقِ، ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ نِصَابٌ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ. ثَانِيهَا وَمِنْ شُرُوطِهِ كَوْنُ الْمَسْرُوقِ مِلْكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ، وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: سَرَقَ هَذَا، ثُمَّ الْمَالِكُ يَقُولُ هَذَا مِلْكِي وَالسَّارِقُ يُوَافِقُهُ. ثَالِثُهَا: وَمِنْ شُرُوطِهِ عَدَمُ الشُّبْهَةِ، وَمُقْتَضَاهُ اعْتِبَارُ أَنْ يَقُولَ فِي شَهَادَتِهِ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً، وَقَدْ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ. الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَلَكِنَّ هَذَا تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى عَلَى هَذَا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ وَيُشْتَرَطُ اتِّفَاقُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا.
المتن: وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ كَقَوْلِهِ: سَرَقَ بُكْرَةً، وَالْآخَرِ عَشِيَّةً فَبَاطِلَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ) فِي وَقْتِ الشَّهَادَةِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ: أَحَدِهِمَا (سَرَقَ بُكْرَةً، وَ) قَوْلِ (الْآخَرِ) سَرَقَ (عَشِيَّةً فَبَاطِلَةٌ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلٍ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَبَاطِلَةٌ: أَيْ: النِّسْبَةُ إلَى الْقَطْعِ. أَمَّا الْمَالُ فَإِنْ حَلَفَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَعَ الشَّاهِدِ أَخَذَ الْغُرْمَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، كَذَا قَالَاهُ، وَالْمُرَادُ حَلَفَ مَعَ مَنْ وَافَقَتْ شَهَادَتُهُ دَعْوَاهُ: أَيْ: الْحَقُّ فِي زَعْمِهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْكِفَايَةِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَافَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَادِحُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ كِيسًا، وَقَالَ الْآخَرُ: كِيسَيْنِ، ثَبَتَ الْوَاحِدُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ إنْ كَانَ نِصَابًا، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ وَاثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَإِنْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ثَبَتَ الْقَطْعُ وَالْمَالَانِ، وَإِنْ تَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ كَذَا غَدْوَةٌ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَآخَرُ بِأَسْوَدَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ الثَّوْبَ الْآخَرَ وَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا يُقَالُ: تَعَارَضَتْ شَهَادَتُهُمَا، لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَتِمَّ، وَلَا قَطْعَ لِاخْتِلَافِ شَهَادَتِهِمَا. (وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ) إنْ بَقِيَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد {عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ}. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قُطِعَ لَمْ يَغْرَمْ، وَإِنْ غَرِمَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. لَنَا أَنَّ الْقَطْعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالضَّمَانَ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرُ إسْقَاطَ مَالِ الْغَيْرِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مَنْفَعَةٌ اسْتَوْفَاهَا السَّارِقُ أَوْ عَطَّلَهَا وَجَبَتْ أُجْرَتُهَا كَالْمَغْصُوبِ.
المتن: وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ
الشَّرْحُ: وَلَوْ أَعَادَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَلَا الضَّمَانُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْقُطَانِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ مَذْهَبًا لِدَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ (فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ) بِبَدَلِهِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ.
المتن: وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ. فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَثَالِثًا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَرَابِعًا رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعَزَّرُ وَيُغْمَسُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مُغْلًى، قِيلَ: هُوَ تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ، فَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَلِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ.
الشَّرْحُ: (وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ) أَيْ يَدُهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَمِينَهُ}، وَكَذَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَقَالَ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقُرِئَ شَاذًّا: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، فَقَلَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ فَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: {شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى}. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَاحْذَرْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ وَلَمْ يُقْطَعْ ذَكَرُ الزَّانِي؟. أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْيَدَ لِلسَّارِقِ مِثْلُهَا غَالِبًا فَلَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ إبْطَالُ النَّسْلِ غَالِبًا، وَالْحِكْمَةُ فِي قَطْعِ الْيُمْنَى أَوَّلًا أَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى غَالِبًا فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَرْدَعُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ قَطْعِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ شَلَّاءَ وَإِلَّا رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَتُسَدُّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ قُطِعَتْ وَاكْتُفِيَ بِهَا، وَإِلَّا لَمْ تُقْطَعْ. لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الرُّوحِ (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا) أَيْ: يَدِهِ الْيُمْنَى (فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) تُقْطَعُ إنْ بَرِئَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِلْبُرْءِ (وَ) إنْ سَرَقَ (ثَالِثًا) بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تُقْطَعُ (يَدُهُ الْيُسْرَى وَ) إنْ سَرَقَ (رَابِعًا) بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى تُقْطَعُ (رِجْلُهُ الْيُمْنَى) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قَالَ فِي السَّارِقِ: إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ}. وَالْحِكْمَةُ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ أَنَّ اعْتِمَادَ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ عَلَى الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَنْقُلُ بِرِجْلِهِ فَتَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِهِمَا، وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَتَضْعُفُ حَرَكَتُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مَرَّتَيْنِ تَعْدِلُ الْحِرَابَةَ شَرْعًا، وَالْمُحَارِبُ تُقْطَعُ أَوَّلًا يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الثَّانِيَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْطَعْ الرِّجْلُ إلَّا بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَدِ؛ لِئَلَّا تُفْضِيَ الْمُوَالَاةُ إلَى الْهَلَاكِ، وَخَالَفَ مُوَالَاتَهُمَا فِي الْحِرَابَةِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُمَا فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ (وَبَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا سَرَقَ خَامِسًا فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ (يُعَزَّرُ) لِأَنَّ الْقَطْعَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ، وَالسَّرِقَةُ مَعْصِيَةٌ فَتَعَيَّنَ التَّعْزِيرُ: كَمَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا وَلَا يُقْتَلُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِزِنًا. أَوْ اسْتِحْلَالٍ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، بَلْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ أَوْجَبَتْ حَدًّا لَمْ يُوجِبْ تَكْرَارُهَا الْقَتْلَ كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ (وَيُغْمَسُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مُغْلًى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَغْلَى. أَمَّا فَتْحُ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ عَلَى زِنَةِ مَفْعُولٍ فَلَحْنٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَفِعْلُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ سَدُّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ . تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُهُ بِغَيْرِ الزَّيْتِ وَالدُّهْنِ، وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الْحَسْمِ بِالنَّارِ، وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فَجَعَلَ الزَّيْتَ لِلْحَضَرِيِّ، وَالنَّارَ لِلْبَدْوِيِّ؛ لِأَنَّهَا عَادَتُهُمْ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ (قِيلَ: هُوَ) أَيْ: الْغَمْسُ الْمُسَمَّى بِالْحَسْمِ (تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ) فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إهْمَالُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَزِيدَ إيلَامٍ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ) أَيْ: الْغَمْسَ الْمَذْكُورَ (حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمُعَالَجَةُ وَدَفْعُ الْهَلَاكِ بِنَزْفِ الدَّمِ (فَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ) كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ مَنْ يَنْصِبُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُؤْنَةِ الْجَلَّادِ (وَ) عَلَى الْأَصَحِّ (لِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ) وَلَا يُجْبَرُ الْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْأَمْرُ بِهِ عَقِبَ الْقَطْعِ، وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَقْطُوعِ، لِأَنَّهُ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ. نَعَمْ لَوْ كَانَ إهْمَالُهُ يُؤَدِّي إلَى تَلَفٍ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِإِغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ.
المتن: وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ، وَالرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ.
الشَّرْحُ: (وَتُقْطَعُ الْيَدُ) بِحَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً (مِنْ الْكُوعِ) أَيْ: مَفْصِلِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْبَطْشَ بِالْكَفِّ وَمَا زَادَ مِنْ الذِّرَاعِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي قَطْعِ الْكَفِّ الدِّيَةُ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ (وَ) تُقْطَعُ (الرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ الْكَعْبُ لِيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ خَلْعُ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ قَبْلَ قَطْعِهِ تَسْهِيلًا لِقَطْعِهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ جَالِسًا، وَأَنْ يُضْبَطَ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ، وَأَنْ يُعَلَّقَ الْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ فِي عُنُقِهِ سَاعَةً لِلزَّجْرِ وَالتَّنْكِيلِ.
المتن: وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا بِلَا قَطْعٍ كَفَتْ يَمِينُهُ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا) مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ (بِلَا قَطْعٍ كَفَتْ يَمِينُهُ) أَيْ: قَطْعُهَا فَقَطْ عَنْ جَمِيعِ الْمِرَارِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ: كَمَا لَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْمَحْرَمَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَعَدُّدٌ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحَدِّ.
المتن: وَإِنْ نَقَصَتْ أَرْبَعَ أَصَابِعَ قُلْت: وَكَذَا لَوْ ذَهَبَتْ الْخَمْسُ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: بِمَا يَبْدَأُ فِي الْقَطْعِ غَيْرُ الْيَدِ الْيُمْنَى فِي ذَلِكَ مِثْلُهَا وَيَكْفِي قَطْعُهَا (وَإِنْ نَقَصَتْ) يَمِينُهُ (أَرْبَعَ أَصَابِعَ) وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِحُصُولِ الْإِيلَامِ وَالتَّنْكِيلِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَكَذَا لَوْ ذَهَبَتْ) الْأَصَابِعُ (الْخَمْسُ) كُلُّهَا كَفَتْ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَعَ نَقْصِ أَصَابِعِهَا كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَعَ زِيَادَتِهَا فَانْدَرَجَتْ فِي الْآيَةِ. وَالثَّانِي لَا تَكْفِي بَلْ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِانْتِفَاءِ الْبَطْشِ. تَنْبِيهٌ: يَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ سَقَطَ بَعْضُ الْكَفِّ وَبَقِيَ مَحَلُّ الْقَطْعِ، فَلَوْ قَالَ: وَكَذَا لَوْ سَقَطَ بَعْضُ الْكَفِّ مَعَ الْخَمْسِ لَأَفَادَ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
المتن: وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَةٌ أُصْبُعًا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَةٌ أُصْبُعًا) أَوْ أَكْثَرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْيَدِ يَتَنَاوَلُ مَا عَلَيْهِ خَمْسٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَالثَّانِي لَا، بَلْ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ لَهُ كَفَّانِ عَلَى مِعْصَمِهِ قُطِعَتْ الْأَصْلِيَّةُ مِنْهُمَا إنْ تَمَيَّزَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِ الزَّائِدَةِ وَإِلَّا فَيُقْطَعَانِ، وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ. هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَطْعَهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَاَلَّذِي فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ قُطِعَتْ وَإِلَّا فَإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَلَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ يَدٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَصَوَّبَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: لَنْ يُشْكِلَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صُحِّحَ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ لَا يُخْتَنُ فِي أَحَدِ فَرْجَيْهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْجُرْحَ مَعَ الْإِشْكَالِ مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ قِيلَ بِإِجْرَاءِ وَجْهٍ ثَالِثٍ: إنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لَمْ يُبْعَدْ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا، وَقَدْ الْتَبَسَتْ بِالْأَصْلِيَّةِ ا هـ. وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ السَّارِقَ إنَّمَا قُطِعَتْ يَدُهُ مَعَ الْإِشْكَالِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ إلَّا بِالزَّائِدَةِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ، فَإِنْ أَمْكَنَ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ وَقَطَعْنَاهَا، ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا، وَقَدْ صَارَتْ الزَّائِدَةُ أَصْلِيَّةً بِأَنْ صَارَتْ بَاطِشَةً أَوْ كَانَتْ الْكَفَّانِ أَصْلِيَّتَيْنِ وَقُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فِي سَرِقَةٍ قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلْقَة الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ.
المتن: وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ بِآفَةٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، أَوْ يَسَارُهُ فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ سَرَقَ) شَخْصٌ (فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ) مَثَلًا (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ قُطِعَتْ فِي قِصَاصٍ (سَقَطَ الْقَطْعُ) فِي الْيَدِ السَّاقِطَةِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِأَنَّ الْقَطْعَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا فَسَقَطَ بِفَوَاتِهَا كَمَوْتِ الْمُرْتَدِّ، وَكَذَا لَوْ شُلَّتْ بَعْدَ السَّرِقَةِ وَخِيفَ مِنْ قَطْعِهَا تَلَفُ النَّفْسِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، فَإِنَّ رِجْلَهُ تُقْطَعُ (أَوْ) سَقَطَتْ (يَسَارُهُ) بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مَعَ بَقَاءِ الْيَمِينِ (فَلَا) يَسْقُطُ قَطْعُ الْيَمِينِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ فِي قَوْلٍ، وَحُكْمُ الرِّجْلِ حُكْمُ الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ. خَاتِمَةٌ: لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا سُئِلَ الْجَلَّادُ، فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا، غَرِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ إنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ فَكَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الدِّيَةُ لِقَطْعِهِ عُضْوًا مَعْصُومًا وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ قَطْعِ الْيَمِينِ لِئَلَّا تُقْطَعَ يَدَاهُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ. أَوْ قَالَ: عَلِمْتهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ. هَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا عَنْ الْيَمِينِ أَوْ إبَاحَتَهَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ، وَلَمْ تُجْزِهِ الْيَسَارُ. عَنْ الْيَمِينِ، بَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ حَدًّا لِأَنَّهَا الَّذِي وَجَبَ قَطْعُهَا وَهِيَ بَاقِيَةً فَلَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا كَالْقِصَاصِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْجَلَّادَ يُسْأَلُ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَحَكَى مَعَهَا طَرِيقَةً أُخْرَى، وَهِيَ إنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ، أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُومِئُ إلَى الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَإِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ.
المتن: هُوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَهُ شَوْكَةٌ، لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ، وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً بِقُوَّتِهِمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ، لَا لِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ لَيْسَ بِقُطَّاعٍ، وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ أَوْ لِضَعْفٍ وَقَدْ يَغْلِبُونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي بَلَدٍ فَهُمْ قُطَّاعٌ.
الشَّرْحُ: (بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الْآيَةَ. قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَتْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ، لَا فِي الْكُفَّارِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ، إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَيْرِهِمْ، وَفِي أَبِي دَاوُد أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعُرَنِيِّينَ، وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (هُوَ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ (مُسْلِمٌ) أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ كَمَا فِي السَّارِقِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى، فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ بَعْدَ الْكَشْفِ التَّامِّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْإِسْلَامُ إلَّا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ رَأَيْتُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الْأُمِّ مُصَرِّحًا بِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. قَالَ: وَلَا أَثَرَ لِلتَّعَلُّقِ بِسَبَبِ النُّزُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ عَلَى الْأَصَحِّ (مُكَلَّفٌ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُكَلَّفِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُخْتَارٌ (لَهُ شَوْكَةٌ) أَيْ: قُوَّةٌ وَقُدْرَةٌ يَغْلِبُ بِهَا غَيْرَهُ. تَنْبِيهٌ: إفْرَادُ الْمُصَنِّفِ الصِّفَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ عَدَدٌ وَلَا ذُكُورَةٌ وَلَا سِلَاحٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالْوَاحِدُ وَلَوْ أُنْثَى إذَا كَانَ لَهُ فَضْلُ قُوَّةٍ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَتَعَرَّضَ لِلنَّفْسِ وَلِلْمَالِ مُجَاهَرَةً مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَفَقَدَ الْغَوْثَ. . إلَخْ قَاطِعٍ، وَكَذَا الْخَارِجُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ إنْ كَانَ لَهُ قُوَّةٌ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَلَوْ بِاللَّكْزِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ آلَةٍ، وَخَرَجَ بِمُلْتَزِمٍ الْحَرْبِيُّ وَالْمُعَاهَدُ، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ إلَّا السَّكْرَانَ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ ضَمِنَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ النَّفْسَ وَالْمَالَ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَبِالِاخْتِيَارِ الْمُكْرَهُ، وَبِالشَّوْكَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (لَا مُخْتَلِسُونَ) قَلِيلُونَ (يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ) عَظِيمَةٍ (يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ) بِرَكْضِ الْخَيْلِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْعَدُوِّ عَلَى الْأَقْدَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَيْسُوا قُطَّاعًا لِانْتِفَاءِ الشَّوْكَةِ، وَحُكْمُهُمْ فِي الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ كَغَيْرِهِمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ عَلَى الشَّوْكَةِ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ الرُّفْقَةِ فَغَلُظَتْ عُقُوبَتُهُ رَدْعًا لَهُ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ أَوْ الْمُنْتَهِبِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى قُوَّةٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لِآخِرِ قَافِلَةٍ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ: بَلْ حُكْمُ التَّعَرُّضِ لِأَوَّلِهَا وَجَوَانِبِهَا كَذَلِكَ، فَلَوْ قَهَرُوهُمْ وَلَوْ مَعَ كَوْنِهِمْ قَلِيلِينَ فَقُطَّاعٌ لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ، فَلَا يُعَدُّ أَهْلُ الْعَاقِلَةِ مُقَصِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ وَلَا يَضْبِطهُمْ مُطَاعٌ وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ مُرَادَهُ بِشَوْكَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِالنَّظَرِ لِمَنْ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ (وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً) وَهِيَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ (بِقُوَّتِهِمْ) لَوْ قَاوَمَهُمْ (قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ) لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمَاعَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنْ هَرَبُوا مِنْهُمْ وَتَرَكُوا الْأَمْوَالَ لِعِلْمِهِمْ بِعَجْزِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَاقَهُمْ اللُّصُوصُ مَعَ الْأَمْوَالِ إلَى دِيَارِهِمْ كَانُوا قُطَّاعًا فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا كَمَا قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ (لَا) قُطَّاعَ (لِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ) أَخَذُوا شَيْئًا مِنْهُمْ، إذْ لَا قُوَّةَ لَهُمْ مَعَ الْقَافِلَةِ الْكَبِيرَةِ، بَلْ هُمْ فِي حَقِّهِمْ مُخْتَلِسُونَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَسْلَمَ لَهُمْ الْقَادِرُونَ عَلَى دَفْعِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا أَوْ أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ فَمُنْتَهَبُونَ لَا قُطَّاعَ، وَإِنْ كَانَ ضَامِنِينَ لِمَا أَخَذُوهُ لِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَمْ يُصْدَرْ عَنْ شَوْكَتِهِمْ: بَلْ عَنْ تَفْرِيطِ الْقَافِلَةِ (وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ، وَهِيَ كَقَوْلِ الشَّخْصِ: يَا غَوْثَاهُ (لَيْسَ) حِينَئِذٍ ذُو الشَّوْكَةِ بِمَنْ مَعَهُ (بِقُطَّاعٍ) بَلْ مُنْتَهِبُونَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغَاثَةِ (وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ) عَنْ الْعُمْرَانِ وَعَسَاكِرِ السُّلْطَانِ (أَوْ) لِلْقُرْبِ لَكِنْ (لِضَعْفٍ) فِي السُّلْطَانِ كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَاسْتُحْسِنَ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ الضَّعْفَ لِشَمُولِهِ مَا لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ دَارًا لَيْلًا وَشَهَرُوا السِّلَاحَ وَمَنَعُوا أَهْلَ الدَّارِ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ فَهُمْ قُطَّاعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ (وَ) ذَوُو الشَّوْكَةِ (قَدْ يَغْلِبُونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ: ضَعْفُ السُّلْطَانِ أَوْ بُعْدُهُ أَوْ بُعْدُ أَعْوَانِهِ وَإِنْ كَانُوا (فِي بَلَدٍ) لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهَا إلَى طَرَفِهَا وَلَا إلَى صَحْرَاءَ (فَهُمْ قُطَّاعٌ) لِوُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ وَلِأَنَّهُمْ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَدُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَهِيَ مَوْضِعُ الْخَوْفِ فَلَأَنْ يَجِبَ فِي الْبَلَدِ وَهِيَ مَوْضِعُ الْأَمْنِ أَوْلَى لِعِظَمِ جَرَاءَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ لَوْ تَسَاوَتْ الْفِرْقَتَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافُهُ.
المتن: وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ قَوْمًا يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ قَوْمًا يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ) أَيْ الْمَارِّينَ فِيهَا (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) أَيْ نِصَابًا (وَلَا) قَتَلُوا (نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ) لِارْتِكَابِهِمْ مَعْصِيَةً وَهِيَ الْحِرَابَةُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ النَّفْيِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَالْأَمْرُ فِي جِنْسِ هَذَا التَّعْزِيرِ رَاجِعٌ إلَى الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ تَرْكُهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَا يُقَدَّرُ الْحَبْسُ بِمُدَّةٍ: بَلْ يُسْتَدَامُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَقِيلَ: يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يُنْقِصُ مِنْهَا شَيْئًا لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى تَغْرِيبِ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا، وَقِيلَ: يُقَدَّرُ بِسَنَةٍ يُنْقِصُ مِنْهَا شَيْئًا لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى تَغْرِيبِ الْحُرِّ فِي الزِّنَا وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ، وَقَوْلُهُ عَلِمَ الْإِمَامُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَكْتَفِي بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا مَرَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَمُقْتَضَى عِبَارَتِهِ كَالرَّوْضَةِ الْوُجُوبُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ يَنْبَغِي.
المتن: وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ نِصَابَ السَّرِقَةِ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ) وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ (نِصَابَ السَّرِقَةِ) فَأَكْثَرَ (قَطَعَ) الْإِمَامُ (يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى) دَفْعَةً أَوْ عَلَى الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ (فَإِنْ عَادَ) بَعْدَ قَطْعِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى (فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ) تُقَطَّعْنَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ، وَقِيلَ: لِلْمُحَارَبَةِ، وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ وَالْمُجَاهِرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ، وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ. قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ: وَهُوَ أَشَبَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَدِيَتُهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ يُوجِبُ خِلَافُهُ الضَّمَانَ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي الْإِسَاءَةِ وَتَوَقَّفَ فِي الْقَوَدِ وَعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ فِي السَّرِقَةِ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامِدًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَيْهَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى ثَبَتَ ثَمَّ بِالِاجْتِهَادِ: بَلْ بِالنَّصِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قُرِئَ شَاذًّا - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا - وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَعَلَى عَدَمِ دَعْوَى الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ ا هـ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْحِرْزَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ تَسِيرُ بِهِ الدَّوَابُّ بِلَا حَافِظٍ أَوْ كَانَتْ الْجِمَالُ مَقْطُورَةً وَلَمْ تَتَعَهَّدْ كَمَا شُرِطَ فِي السَّرِقَةِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَالْحِرْزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَعَ مَالِكِهِ أَوْ بِحَيْثُ يَرَاهُ، وَتَعَذَّرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مَنْ يَأْخُذُهُ وَمَحَلُّ قَطْعِهِمَا إذَا وُجِدَتَا، فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اُكْتُفِيَ بِقَطْعِ الْأُخْرَى، وَفِي مَعْنَى الْفَقْدِ أَنْ تَكُونَ شَلَّاءَ لَا تَنْحَسِمُ عُرُوقُهَا لَوْ قُطِعَتْ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيُحْسَمُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ كَمَا فِي السَّارِقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْسِمَ الْيَدَ ثُمَّ تُقْطَعُ الرِّجْلُ، وَأَنْ تُقْطَعَا جَمِيعًا ثُمَّ يُحْسَمَا. وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي مَوْضِعِ الْأَخْذِ إنْ كَانَ مَوْضِعُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ حَالَ السَّلَامَةِ لَا عِنْدَ اسْتِسْلَامِ النَّاسِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَأَقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَيْهِ يُوجَد فِيهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَشِرَاؤُهُ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ:.
المتن: وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَتْمًا.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَتَلَ) مَعْصُومًا مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا (قُتِلَ حَتْمًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنَّمَا تَحَتَّمَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةِ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ هُنَا إلَّا بِالتَّحَتُّمِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَمَحَلُّ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ، وَمَعْنَى تَحَتُّمِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ وَلَا بِعَفْوِ السُّلْطَانِ عَمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْلِ صَبْرًا وَبَيْنَ الْجَرْحِ وَالْمَوْتِ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ وَالتَّوْبَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ. . أَمَّا إذَا قَتَلَ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ غَيْرَ مُكَافِئٍ لَهُ أَوْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يُقْتَلُ.
المتن: وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَزَّلُ، وَقِيلَ يَبْقَى حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ، وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا) نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ (قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ) حَتْمًا زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ، وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى: {أَنْ يُقَتَّلُوا} إنْ قَتَلُوا {أَوْ يُصَلَّبُوا} مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، {أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ} إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ " أَوْ " عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى " إذْ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة، وَإِنَّمَا صُلِبَ بَعْدَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ فِي صَلْبِهِ قَبْلَهُ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ} وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ، وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ (ثُمَّ يُنَزَّلُ) هَذَا إذَا لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ، فَإِنْ خِيفَ قَبْلَ الثَّلَاثِ أُنْزِلَ عَلَى الْأَصَحِّ وَحُمِلَ النَّصُّ فِي الثَّلَاثِ عَلَى زَمَنِ الْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالصَّلْبِ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكُونُ قَتْلُهُمْ وَصَلْبُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَارَبُوا فِيهِ لَا أَنْ يَكُونَ بِمَفَازَةٍ لَا يَمُرُّ بِهَا أَحَدٌ فَيُقْتَلُونَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُذَكَّرَةٌ فَتَثْبُتُ فِيهِ التَّاءُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ يَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ} (وَقِيلَ يَبْقَى) مَصْلُوبًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ) وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ مُخْتَلِطًا بِدَمٍ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَتَنْفِيرًا عَنْ فِعْلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ) حَيًّا صَلْبًا (قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ) لِأَنَّ الصَّلْبَ شُرِعَ عُقُوبَةً لَهُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُهُ لَا يُوَافِقُ أَصْلَهُ، وَلَا الشَّرْحَ وَالرَّوْضَةَ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ يُصْلَبُ صَلْبًا لَا يَمُوتُ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُقْتَلُ. أُجِيبَ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُنَافِي ذَلِكَ، بَلْ هِيَ بَيَانٌ لِلْعِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ ثَلَاثًا فَسَبَقَ الْقَلَمُ فَكَتَبَ قَلِيلًا ا هـ. وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَتَبَهَا قَصْدًا فَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ.
المتن: وَمَنْ أَعَانَهُمْ وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إلَى حَيْثُ يَرَاهُ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ أَعَانَهُمْ) أَيْ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ (وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا نِصَابًا وَلَا قَتَلَ نَفْسًا (عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا) كَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَفِي الْخَبَرِ {مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ}. تَنْبِيهٌ: الْوَاوُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَيْ: يُعَزِّرُهُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ، وَتَعْيِينُهُ لِرَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُخِيفَيْنِ (وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إلَى حَيْثُ) أَيُّ مَكَان (يَرَاهُ) الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ عُقُوبَتَهُ فِي الْآيَةِ النَّفْيُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يُعَزِّرُهُ فِي الْبَلَدِ الْمَنْفِيِّ إلَيْهِ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ.
المتن: وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَفِي قَوْلٍ الْحَدِّ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى الْمُغَلَّبِ فِي قَتْلِ الْقَاطِعِ بِقَوْلِهِ (وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. وَالْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِبِنَائِهِ عَلَى الضِّيقِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يُحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا؟ (وَفِي قَوْلٍ) مَعْنَى (الْحَدِّ) وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَيَسْتَوْفِيه الْإِمَامُ بِدُونِ طَلَبِ الْوَلِيِّ.
المتن: فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ وَ ذِمِّيٍّ.
الشَّرْحُ: وَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ خَمْسَةً ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُقْتَلُ) وَالِدٌ (بِوَلَدِهِ) الَّذِي قَتَلَهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَ) لَا (ذِمِّيٍّ) إذَا كَانَ هُوَ مُسْلِمًا، وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يُكَافِئُهُ كَعَبْدٍ وَالْقَاطِعُ حُرٌّ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَعَلَى الثَّانِي يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ.
المتن: وَلَوْ مَاتَ فَدِيَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَاتَ) الْقَاطِعُ مِنْ غَيْرِ قَتْلِهِ قِصَاصًا (فَدِيَةٌ) عَلَى الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي قَتْلِ حُرٍّ وَقِيمَةٌ فِي قَتْلِ عَبْدٍ، وَعَلَى الثَّانِي لَا شَيْءَ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَ الدِّيَةِ.
المتن: وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا قُتِلَ بِوَاحِدٍ، وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا) مَعًا (قُتِلَ بِوَاحِدٍ) مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ (وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ) عَلَى الْأَوَّلِ كَالْقِصَاصِ، وَعَلَى الثَّانِي يُقْتَلُ بِهِمْ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُمْ مُرَتَّبًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَتْمًا بِأَوَّلِهِمْ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ، حَتَّى لَوْ عَفَا وَلِيُّهُ لَمْ يَسْقُطْ لِتَحَتُّمِهِ.
المتن: وَلَوْ عَفَا وَلِيُّهُ بِمَالٍ وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُقْتَلُ حَدًّا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ عَفَا) عَنْ الْقِصَاصِ (وَلِيُّهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ (بِمَالٍ) أَيْ: عَلَيْهِ صَحَّ الْعَفْوُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَ (وَجَبَ) الْمَالُ (وَسَقَطَ الْقِصَاصُ) عَنْهُ (وَيُقْتَلُ) بَعْدَ ذَلِكَ (حَدًّا) كَمَا لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مُرْتَدٍّ فَعَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْعَفْوُ لَغْوٌ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ لَغْوٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالْعَفْوِ شَيْئًا لِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ بِالْمُحَارَبَةِ.
المتن: وَلَوْ قَتَلَ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَتَلَ) الْقَاطِعُ شَخْصًا (بِمُثْقَلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ) أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ (فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ) عَلَى الْأَوَّلِ تَغْلِيبًا لِلْقِصَاصِ، وَعَلَى الثَّانِي يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُمَاثَلَةِ. تَنْبِيهٌ: مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ أَيْضًا مَا لَوْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَسْقُطُ عَلَى الثَّانِي.
المتن: وَلَوْ جَرَحَ فَانْدَمَلَ لَمْ يَتَحَتَّمْ قِصَاصٌ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ جَرَحَ) قَاطِعُ الطَّرِيقِ شَخْصًا جَرْحًا يُوجِبُ قِصَاصًا كَقَطْعِ يَدٍ (فَانْدَمَلَ) الْجَرْحُ (لَمْ يَتَحَتَّمْ) عَلَى الْقَاطِعِ (قِصَاصٌ) فِي ذَلِكَ الطَّرْفِ الْمَجْرُوحِ (فِي الْأَظْهَرِ) بَلْ يُتَخَيَّرُ الْمَجْرُوحُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ التَّحَتُّم تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَاخْتَصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْجَرْحَ فِي الْآيَةِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ. وَالثَّانِي يَتَحَتَّمُ كَالنَّفْسِ. وَالثَّالِثُ يَتَحَتَّمُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَسْتَحِقَّانِ فِي الْمُحَارَبَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَنَحْوِهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فَانْدَمَلَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ فَهُوَ كَالْقَتْلِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الِانْدِمَالَ قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ. وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ جَرَى الْقَوْلَانِ أَيْضًا فِي التَّحَتُّمِ فِي قِصَاصِ الْيَدِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا فِيهِ قَوَدٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ. أَمَّا غَيْرُهُ كَجَائِفَةٍ فَوَاجِبُهُ الْمَالُ.
المتن: وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ بِتَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَا بَعْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ بِهَا فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ) مِنْ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَكَذَا الْيَدُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفُ يُوهِمُ خِلَافَهُ، فَإِنَّ الرِّجْلَ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَلَوْ قَالَ: تُسْقِطُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى لَاسْتَقَامَ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَيْسَ عُقُوبَةً كَامِلَةً، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءُ عُقُوبَةٍ، فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ، فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا سَقَطَ كُلُّهَا (بِتَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ (لَا بَعْدَهَا) أَيْ: الْقُدْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ تِلْكَ الْعُقُوبَاتُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا لِمَفْهُومِ الْآيَةِ، وَإِلَّا لِمَا كَانَ لِلتَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ - مِنْ قَبْلِ - فَائِدَةٌ، وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ مُتَّهَمٌ لِدَفْعِ قَصْدِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ التُّهْمَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقِيلَ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ بِالتَّوْبَةِ. أَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا مِنْ قِصَاصٍ وَضَمَانٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ الثَّابِتَةِ فَلَوْ ظَفَرْنَا بِهِ فَادَّعَى سَبْقَ تَوْبَتِهِ فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَتُهَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اسْتِوَاءُ التَّوْبَةِ الَّتِي قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأُولَى يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِهَا، وَالثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا إصْلَاحُ الْعَمَلِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالصَّغِيرِ، وَلَوْ ثَبَتَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي أَوَائِلِ الْإِقْرَارِ (وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ) أَيْ: بَاقِي (الْحُدُودِ) الْمُخْتَصَّةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ (بِهَا) أَيْ: التَّوْبَةِ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ مَاعِزٌ وَأَقَرَّ بِالزِّنَا حَدَّهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ إلَّا وَهُوَ تَائِبٌ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ وَحْدَهُ وَالثَّانِي تَسْقُطُ بِهَا قِيَاسًا عَلَى حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ. تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَارِكُ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَابَ سَقَطَ الْقَتْلُ قَطْعًا وَالْكَافِرُ إذَا زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ، وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي بَابِ الزِّنَا، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ حَيْثُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيَسْقُطُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَصَرَّ يُقْتَلُ كُفْرًا لَا حَدًّا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ، تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا} وَوَرَدَ {التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ} وَإِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُقَمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ لِحَدِيثِ: {اللَّهُ أَعْدَلُ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ} وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِرَاحِ.
المتن: مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوهُ جُلِدَ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ، وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ، وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ جُلِدَ فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ جُلِدَ، وَعَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ صَبْرُ الْآخَرِينَ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَهِيَ إمَّا لِآدَمِيٍّ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لَهُمَا، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (مَنْ لَزِمَهُ) لِجَمَاعَةٍ (قِصَاصٌ) فِي نَفْسٍ (وَقَطْعٌ) لِطَرَفِ آدَمِيٍّ (وَحَدُّ قَذْفٍ) لِآخَرَ (وَطَالَبُوهُ) بِذَلِكَ (جُلِدَ) أَوَّلًا لِلْقَذْفِ (ثُمَّ قُطِعَ) لِقِصَاصِ الطَّرَفِ (ثُمَّ قُتِلَ) لِقِصَاصِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ ذَلِكَ تَعْزِيرٌ لِآدَمِيٍّ بُدِئَ بِهِ (وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ) فَلَا تَجِبُ الْمُهْلَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ (لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُهْلَكُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ قِصَاصُ النَّفْسِ (وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ) وَأَنَا أُبَادِرُ بِالْقَتْلِ بَعْدَهُ فَإِنَّا لَا نُعَجِّلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي نُبَادِرُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِالتَّقْدِيمِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ) وَطَلَبَ الْآخَرَانِ حَقَّهُمَا (جُلِدَ) لِلْقَذْفِ أَوَّلًا (فَإِذَا بَرِئَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مِنْ الْجَلْدِ (قُطِعَ) لِلطَّرَفِ، وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا خَوْفَ الْهَلَاكِ فَيَفُوتُ قِصَاصُ النَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي غِنًى عَنْ هَذَا بِمَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا غَابَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهُ لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ) حَقَّهُ، وَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ حَقَّهُ مِنْ قَاذِفِهِ (جُلِدَ، وَ) وَجَبَ (عَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ) بِحَقِّهِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُ النَّفْسِ أَمْ تَأَخَّرَ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِهِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي نَقُولُهُ: إنْ لِمُسْتَحِقِّ النَّفْسِ أَنْ يَقُولَ لِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ: إمَّا أَنْ تَسْتَوْفِيَ أَوْ تَعْفُوَ أَوْ تَأْذَنَ لِي فِي التَّقْدِيمِ، وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ مَكَّنَ الْحَاكِمُ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ مِنْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الضَّرَرُ مِنْ مُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ، وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ طَالِبُ حَقٍّ أَثْبَتَهُ اللَّهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (فَإِنْ بَادَرَ) مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ (فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ) فِي تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ) مِمَّا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِهَا فِي الصَّغِيرِ، وَعَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ: يَنْبَغِي (صَبْرُ الْآخَرِينَ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُهُمَا لِئَلَّا يُفَوِّتَا عَلَيْهِ حَقَّهُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ بِقَوْلِهِ: تَبِعَ فِي الْقِيَاسِ الرَّافِعِيَّ، وَلَيْسَ الْقِيَاسُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ، ثُمَّ لَا يَفُوتُ الْجَلْدُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنْ الْقَطْعِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الطَّرَفُ أُذُنًا أَوْ أُنْمُلَةً أَوْ نَحْوِهِمَا.
المتن: وَلَوْ اجْتَمَعَ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى قُدِّمَ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (وَلَوْ اجْتَمَعَ) عَلَى شَخْصٍ (حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى) كَأَنْ شَرِبَ وَزَنَى، وَهُوَ بِكْرٌ وَسَرَقَ وَارْتَدَّ (قُدِّمَ) وُجُوبًا (الْأَخَفُّ) مِنْهَا (فَالْأَخَفُّ) سَعْيًا فِي إقَامَةِ الْجَمِيعِ، فَأَخَفُّهَا حَدُّ الشُّرْبِ فَيُحَدُّ لَهُ، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُجْلَدُ لِلزِّنَا، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ، ثُمَّ يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ، ثُمَّ يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُهْلَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ، وَهَلْ يُقَدَّمُ قَطْعُ السَّرِقَةِ عَلَى التَّغْرِيبِ؟ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لَهُ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ، لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَفُوتُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: يُقَدَّمُ الْأَخَفُّ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْحُدُودِ تَعْزِيرٌ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْ قَوْلِهِ: فَالْأَخَفُّ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَفَاوَتَتْ الْحُدُودُ، فَلَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ رِدَّةٍ، وَرَجْمُ زِنًا قَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ قَتْلُ الرِّدَّةِ، إذْ فَسَادُهَا أَشَدُّ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يُرْجَمُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَتْلُ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ أَكْثَرُ نَكَالًا، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ اجْتَمَعَا وَقَتْلُ قَطْعِ الطَّرِيقِ. قَالَ الْقَاضِي: قُدِّمَ وَإِنْ جُعِلَ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ قَطْعُ سَرِقَةٍ وَقَطْعُ مُحَارَبَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لَهُمَا، وَهَلْ تُقْطَعُ الرِّجْلُ مَعَهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ. وَقِيلَ تُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْرَأَ الْيَدُ.
المتن: أَوْ عُقُوبَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْآدَمِيِّينَ قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنًا، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى حَدِّ شُرْبِ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَقَالَ (أَوْ) اجْتَمَعَ (عُقُوبَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْآدَمِيِّينَ) كَأَنْ انْضَمَّ إلَى هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ حَدُّ قَذْفٍ (قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى) حَدِّ (زِنًا) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّتِهِ. قِيلَ لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَالْأَصَحُّ كَوْنُهُ حَقَّ آدَمِيٍّ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَقِبَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ (عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ) بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى (وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا) مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَلَا يُوَالِي بَيْنَ حَدِّ الشُّرْبِ وَحَدِّ الْقَذْفِ بَلْ يُمْهَلُ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالتَّوَالِي. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِ حَدِّ الزِّنَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الرَّجْمَ، فَإِنْ كَانَ جَلْدًا قُدِّمَ عَلَى الْقَتْلِ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي تَقْدِيمِ قَطْعِ الْقِصَاصِ عَلَى حَدِّ الزِّنَا إذَا كَانَ جَلْدًا، فَإِنْ كَانَ رَجْمًا قُدِّمَ الْقَطْعُ قَطْعًا. خَاتِمَةٌ: لَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ قِصَاصٍ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وَقَتْلُ مُحَارَبَةٍ قُدِّمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَرَجَعَ الْآخَرُ إلَى الدِّيَةِ، وَفِي انْدِرَاجِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فِي قَتْلِ الْمُحَارَبَةِ فِيمَا لَوْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا نَعَمْ، وَمَنْ زَنَى مَرَّاتٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا وَاحِدٌ فَتَدَاخَلَتْ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَهُوَ مُقَابِلُ الزِّنْيَاتِ كُلِّهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ بَعْضُهَا عَنْهُ كَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يُقَابِلُ كُلَّ الْوَطْئَاتِ، وَهَلْ وَجَبَ حُدُودٌ عَلَى عَدَدِ الزِّنْيَاتِ ثُمَّ تَدَاخَلَتْ، أَوْ حَدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَتُجْعَلُ الزِّنْيَاتُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهَا حَدٌّ كَحَرَكَاتِ زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، وَمَا فِي فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ثَبَتَ زِنَاهًا بِلِعَانِ زَوْجَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا حَدَّانِ أَنْكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالُوا: إنَّهُمَا حَدَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلَا. وَإِنْ جُلِدَ لِلزِّنَا ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا قَبْلَ التَّغْرِيبِ أَوْ جُلِدَ لَهُ خَمْسِينَ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا كَفَاهُ فِيهِمَا جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبٌ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ فِي الْمِائَةِ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ، وَفِي التَّغْرِيبِ لِلثَّانِي التَّغْرِيبُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ مُحْصَنًا قَبْلَ أَنْ يُجْلَدَ دَخَلَ التَّغْرِيبُ تَحْتَ الرَّجْمِ لِئَلَّا تَطُولُ الْمُدَّةُ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ صِفَةٌ، فَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَدْخُلُ الْجَلْدُ فِي الرَّجْمِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ. وَيَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِإِقْرَارِ الْقَاطِعِ بِهِ لَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِتَابِ وَبِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَا رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَيَمِينٍ وَأَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّفْصِيلُ، وَتَعْيِينُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّرِقَةِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِأَنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا، وَإِنْ بَحَثَ لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا، فَإِنْ قَالَا: نَهَبُونَا وَأَخَذُوا مَالَنَا أَوْ مَالَ رُفْقَتِنَا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمَا وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِلْعَدَاوَةِ.
|